اليمن على حافة صراع القوى الكبرى: هل يتحول إلى ساحة حرب باردة جديدة؟

تقارير وتحقيقات
تقرير (الأول) محمد حسين الدباء:
في جلسة مشحونة ومفتوحة، تحوّل ملف اليمن من أزمة إنسانية إلى نقطة اشتعال جيواستراتيجية بين القوى الكبرى. أمريكا تتهم، الصين تلوّح، روسيا تحذر... واليمن يقف على حافة المجهول. فهل بات هذا البلد المنهك وقودًا لحرب باردة جديدة؟ أم أنه مجرد ورقة في لعبة أمم لا ترحم؟ التفاصيل في التقرير الكامل أدناه.
في جلسة استثنائية عقدها مجلس الأمن الدولي مساء أمس بشأن تطورات الوضع في اليمن، تصاعدت التوترات بين القوى الكبرى، وسط اتهامات مباشرة، وتحذيرات متبادلة، وتنبيهات من انزلاق البلد إلى ساحة تصفية حسابات دولية.
أمريكا تتهم الصين بدعم الحوثيين
أشعلت المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، السفيرة دوروثي شيا، أجواء الجلسة عندما اتهمت بشكل صريح الصين بتوفير دعم غير مباشر لجماعة الحوثيين. وقالت إن شركات تكنولوجية صينية تقدم معلومات وصور أقمار صناعية تُستخدم في تنفيذ الهجمات على السفن الغربية في البحر الأحمر.
وأضافت أن «تورط جهات تكنولوجية خارجية في دعم جماعة مسلحة تهدد حرية الملاحة يمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي». وطالبت مجلس الأمن بتوسيع العقوبات لتشمل كل من يقدم دعماً تقنيًا أو استخباراتيًا للحوثيين.
الصين ترد: الاتهامات باطلة وتحريضية
ردّت الصين على لسان المتحدث باسم وزارة خارجيتها، "لين جيان"، نافية بشدة الاتهامات الأمريكية، واصفة إياها بأنها "ملفقة وغير مسؤولة". وأكدت أن شركة “تشانغ غوانغ” تعمل وفق القوانين الدولية، وأن خدماتها مدنية في مجالات مثل الزراعة والبيئة، ولا علاقة لها بالأنشطة العسكرية.
كما شددت بكين على أن قدرات الأقمار الصناعية التجارية لا تسمح بتتبع أهداف بحرية متحركة بدقة عالية، حتى لدى الدول الكبرى. وأضافت الخارجية الصينية: "على المجتمع الدولي التمييز بين من يسعى للسلام في البحر الأحمر، ومن يحاول صب الزيت على النار عبر الاتهامات السياسية والتحريض الإعلامي."
روسيا ترد وتحذر من التصعيد العسكري الأمريكي
وردّ المندوب الروسي فاسيلي نيبينزيا بكلمة اتسمت بالحدة، متهمًا الولايات المتحدة بتحويل البحر الأحمر إلى "مختبر للفوضى" من خلال عملياتها العسكرية غير المنسقة ضد الحوثيين. واعتبر أن واشنطن "تبحث عن عدو بأي ثمن"، داعيًا إلى احترام خارطة الطريق السياسية التي أُقرّت سابقًا بشأن اليمن.
وشدد نيبينزيا على أن الحل في اليمن لا يمكن أن يكون عسكريًا، بل يجب أن يتم عبر الحوار الشامل، مضيفًا: "ما يجري اليوم هو استعراض قوة، لكنه قد ينقلب إلى مواجهة أوسع لا يمكن احتواؤها بسهولة".
اليمن بين مطرقة الصراع وسندان الجوع
بات اليمن اليوم أكثر من مجرد ملف إنساني أو نزاع داخلي، بل ساحة شديدة الحساسية في خريطة التوازنات الدولية.
الخبيرة اليمنية رهف العامري قالت في مداخلة عبر قناة تحليل سياسي مستقلة إن "اليمنيين اليوم لا يعرفون من أين تأتيهم الضربات: من الطائرات، أم من الجوع، أم من تجاهل المجتمع الدولي". وأكدت أن استخدام اليمن كورقة ضغط بين القوى الكبرى هو "أخطر ما يهدد مستقبل البلاد".
لعبة أمم أم مسار حرب؟
الباحث الأمريكي في شؤون الأمن الدولي، مايكل كريغ، أشار إلى أن الاتهامات الأمريكية للصين وتوتر العلاقات مع روسيا يعيدان اليمن إلى قلب لعبة النفوذ العالمية: "ما نراه في مجلس الأمن هو تعبير عن صراعات أكبر بكثير من اليمن نفسه. البحر الأحمر يتحوّل إلى مساحة تنافس استراتيجي بين الغرب والصين، ومنصة اختبار لقوة الردع الأمريكية بعد أوكرانيا".
من جانبه، اعتبر الخبير الروسي أندريه فيدوروف أن الولايات المتحدة تخاطر بتدويل الحرب اليمنية دون غطاء قانوني:
"كل تصعيد أمريكي غير متوافق عليه في مجلس الأمن سيدفع الصين وروسيا إلى الرد بطرق غير مباشرة، عبر دعم خصوم أمريكا في المنطقة. وهذا يعني أن اليمن سيكون مجرد بداية، وليس نهاية".
هل اليمن تشعل حربًا عالمية!
في ظل هذا التصعيد الكلامي، يتساءل المراقبون: هل يمكن أن تتحول اليمن إلى فتيل لحرب عالمية؟.. الجواب ليس بسيطًا. الخطر قائم، لكنه غير حتمي. إذ يذهب عدد من المحللين إلى أن احتمالات الحرب العالمية تظل محدودة، لكنها قد تتطور إلى صراع إقليمي واسع النطاق إذا استمرت الاستفزازات المتبادلة.
وفقًا لتحليل مركز "مجموعة الأزمات الدولية"، فإن السيناريوهات المحتملة تشمل:
- تصعيد إقليمي محدود: مرتفع (60%) استمرار الهجمات البحرية وردود الفعل الغربية
- استئناف مفاوضات سياسية: متوسط (40%) ضغوط أممية + وساطة عمانية نشطة
- تدويل الصراع بالكامل: متوسط (50%) تدخلات غير مباشرة من الصين وروسيا
- حرب عالمية شاملة ضعيف: (15%) غير مرجح حاليًا ما لم تتشابك ملفات أخرى (تايوان، أوكرانيا، إيران)
التحذيرات الصادرة من مجلس الأمن توحي بأن اليمن يتجه نحو مرحلة أكثر تعقيدًا. البلاد باتت محاصرة بين ثلاثة أقطاب كبرى: أمريكا، الصين، وروسيا، بينما يقف الشعب اليمني في المنتصف، يدفع ثمن صراع لا صوت له فيه.. فهل سيتدارك المجتمع الدولي خطورة اللحظة؟ أم أن اليمن سيظل ورقة تُحرق في لعبة لا قواعد فيها؟